إن التغيير الكبير والملحوظ الذي شهدته المملكة في السنوات الأخيرة في قطاع الضيافة والسياحة شجع الكثير من التجار ورواد الأعمال والمستثمرين الأجانب على اقتناص الفرص اللامتناهية في هذا القطاع الناشئ والحيوي. يعود الفضل في هذا التغيير لرؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والذي تهدف إلى توزيع مصادر الدخل للمملكة، ليقل الاعتماد على النفط ويزيد الاهتمام بالخيرات الأخرى ومن أهمها قطاع الضيافة والسياحة. في عام ٢٠١٩ شكل هذا القطاع ٣٪ من الناتج الإجمالي المحلي، وتهدف المملكة لرفع هذه النسبة إلى ١٠٪ بحلول عام ٢٠٣٠. هذا الهدف الطموح خلق العديد من الفرص والمشاريع والاستثمارات الأجنبية التي تقدر بمليارات الدولارات والتي سترسم مستقبل جديد ومشرق لهذا القطاع.
قطاع الضيافة والسياحة من أكثر القطاعات التي تضررت وبشكل كبير أثناء جائحة كورونا. بالرغم من عودة الحياة إلى المطاعم، والمرافق الترفيهية، والملاعب الرياضية، إلا أن الخبراء يعتقدون أن القطاع لن يتعافى بشكل كامل إلا في عام ٢٠٢٤. تأثير جائحة كورونا تجاوز الإضرار بهذه القطاعات اقتصاديًا، ليصل إلى المستهلكين ويغير سلوكهم بشكل لا رجعة فيه. كشف تقرير ديلويت "Deloitte" عن مستقبل الضيافة عن تغيير في سلوك المستهلكين وحاجتهم الشديدة في الشعور بالثقة والأمان. حسب التقرير فإن للمستهلك اليوم أربعة احتياجات أساسية للثقة: الثقة الحسية، والمعنوية، والمالية، والرقمية. في ظل الوضع الطبيعي الجديد، فإن الشركات يجب أن تضع بعين الاعتبار هذه الحاجات الأساسية لكسب عملائهم والسير في الطريق الصحيح نحو التعافي الكامل. تتمثل الثقة الحسية في الشعور بالثقة بنظافة المكان وأنه لا يشكل تهديد صحي على المستهلك، في حين أن الثقة المعنوية تمثل شعور المستهلك بالأمان أثناء تلبية احتياجاته الاجتماعية بالاختلاط مع الأصدقاء والأهل دون تعرضهم للخطر. الشعور بالثقة والأمان المالي بإمكانية الإنفاق على الكماليات وعدم القلق من أي تبيعات اقتصادية جديدة متعلقة بـالجائحة تعد العماد الثالث من أعمدة الثقة. وأخيرًا يريد العميل بأن يشعر بالثقة الرقمية بأن معلوماته البنكية أو الشخصية لن تتعرض للسرقة عند الشراء أو دفع أونلاين للحصول على أي خدمة من الخدمات. إن الشركات التي تتمكن من فهم هذه الاحتياجات الأساسية وتلبيتها سوف تسلك الطريق السريع نحو التعافي.
فرضة الجائحة توجهات جديدة في هذا القطاع مثل الرقمنة، فالكثير من الخدمات مثل الدفع بواسطة الآبل باي، والطلب عبر تطبيقات الطلبات، واستخدام قوائم الطعام الإلكترونية أصبحت شائعة وطبيعة. التحول الرقمي لم يعد خيارًا بل أصبح الواقع الجديد، ومن المتوقع أن تظهر توجهات جديدة تدفع بهذه الرقمنة إلى مستوى أعلى مثل المطابخ السحابية، حيث بدأت بعض تطبيقات الطلبات الشهيرة في أمريكا بتصميم قوائم طعام خاصة بها لتسمح لمستخدمها بطلب منها، مستفيدين من الكمية الهائلة من المعلومات التي يمتلكونها عن عملائهم. فالمطابخ السحابية أو كما تعرف أيضا بالمطابخ المظلمة عبارة عن مراكز لتحضير الطعام دون أن يكون هناك تواصل مباشر مع العميل، حيث لا يمكن للعميل دخول المركز لتناول الطعام فيه أو الطلب بشكل مباشر والمغادرة "take out". وصل هذا التوجه إلى الإمارات ومن المتوقع أن يصل إلى السعودية خصوصًا مع وجود شركات توصيل طلبات عديدة تتنافس على اكتساب حصة سوقية أعلى في ظل تنافس محتدم.
عندما فتح المملكة أبوابها للزوار من كافة أنحاء العالم في ٢٠١٩ من خلال فيزا السياحة الإلكترونية، فإن الإقبال على زيارة كان كبير جداً. ففي تلك السنة وحدها، اصدرت أكثر من ٤٠٠،٠٠٠ ألف فيزا إلكترونية. تهدف المملكة لرفع عدد السياح القادمين إلى المملكة سنوياً إلى ٣٠ مليون سائح بحلول ٢٠٣٠. هذا النمو المتزايد جعل المملكة مركز جذب للمستثمرين، حيث يُقدر أن تصل قيمة قطاع الفنادق في المملكة بحوالي ٢٤ مليار بنهاية عام ٢٠٢٥ بأكثر من ١٦٣ مشروع فندقي سوف يطلق خلال السنوات القادمة. وتنافس المملكة العديد من الوجهات السياحية حول العالم باحتضانها ٦ من أصل ١١ مشروع فندقي يعد الأضخم دوليًا. من الجدير بالذكر أن معظم هذه المشاريع تركز بشكل كبير على الفخامة وتوفير تجربة عميل استثنائية للطبقات الراقية. من أهم هذه المشاريع، مشروع سلسلة فنادق ماريوت العالمية والتي سوف تقوم بإنشاء أكثر من ٢٩ فندق بحلول عام ٢٠٣٠. هذه المستجدات تعطي فرصة تجارية فذة للأصحاب الأعمال الذين يرغبون في التركيز على ذوي الدخل المتوسط أو السياحة التوفيرة. نجاح شركة مثل Airbnb في توفير حلول ذكية لخفض تكلفة الفنادق المرتفعة مثال جيد لمدى إقبال شريحة كبيرة من العملاء على الجودة والراحة بسعر أقل.
تهدف المملكة لاستقطاب استثمارات تقدر بأكثر من ٥٠٠ مليار ريال لقطاع السياحة بحلول ٢٠٣٠، وكان للمشاريع السياحية العملاقة مثل مشروع البحر الأحمر، والعلا، وآمالا نصيب كبير من هذه الاستثمارات. لهذه المشاريع أهمية كبيرة في خلق تجربة سياحية جديدة متمثلة في المغامرات، الرحلات الاستكشافية والبحرية. بجانب المشاريع العملاقة، فإن للمملكة توجه واضح لأن تكون مركز لاستضافة الفعاليات العالمية كما حدث عند استضافتها لنهائي بطولة الفورمولا ١ وتقدمها لترشيح لاستضافة كأس العالم ٢٠٣٠ بالمشاركة مع إيطاليا. بجانب المشاريع العملاقة، فإن مؤثري مواقع التواصل الإجتماعي المتخصصين في السفر والرحلات مثل ***، و *** من أمريكا و *** من روسيا فتحوا أعين ملايين المشاهدين حول العالم على واقع السعودية وجعلها واجهة سياحية مثيرة للاهتمام للكثيرين. فمن المهم الحصول على موظفين يتقنون اللغة الإنجليزية للمساعدة الزوار الأجانب والذي من المتوقع أن يزيد عددهم في الفترة القادمة.